نجيب فراج -نظم عدد من النشطاء الفلسطينيين في محافظة بيت لحم ضمن رحلاتهم الدورية لاستكشاف الاثار والاماكن التاريخية الفلسطينية ضمن ما يطلقون على انفسهم”مستكشفو فلسطين” جولة إلى ما كان ذات يوم احد عناوين الحياة في بلادنا بحسب ما قالوه حيث كانت وجهتهم هذه المرة أطلال ومغارة الدير الذي حمل أكثر من اسم، فهو “دير لافرا القديم” و”دير سوكا” وأخيرا هو “دير خريطون” الواقع بين أربع مستوطنات هي تقوع، وتقوع ب، ونكوديم والداد وهي لا تبعد عن سياج مستوطنة تقوع سوى عشرات الأمتار وكذلك الطريق إليها تمر بين المستوطنات. وقبل أن تبلغ الساعة التاسعة كان أعضاء المجموعة المكونة من محمد أبو زر، عائد حوشية، فادي قطان، نزار العيسه، خالد بركات، خضر أبو عبيد، سميح العمور، محمد أبو عجمية، رائد أبو طه، محمود أبو سالم وإياد عايش قد بلغوا مدخل المغارة. “لقد كان الوصول إليها مهمة صعبة جداً. ” للحظة اعتقدت أنني لن أتمكن من الوصول إلى المغارة أو أطلال الدير” قال نزار العيسه وعلامات الارتياح بادية على وجهه ثم أضاف “الدروب المؤدية إلى هناك وعرة جداً ودرجات الحرارة كانت تؤكد بان جحيماً يستعر في تلك الأودية السحيقة”. على مدى مئات الأمتار انتشرت عشرات الحجرات التي تتشبث بالسفوح الشديدة الانحدار معظمها صمد في مقاومة كل عوامل الهدم والدمار طيلة سبعة عشر قرنا تقريباً وما زال سالماً. بقايا لأبراج كانت ذات يوم ما زالت واضحة للعيان وجزءأً من احدها ما زال ينتصب شامخاً يقاوم كل عوامل وقوى الهدم والدمار. نظام مائي متكامل يمتد على مساحات كبيرة كان مصدر حياة لكل أشكال الحياة التي كانت هنا يوما. خالد بركات تحدث عن مشاهداته بتأثر بالغ “ما أن تبدأ بالتقدم جنوباً صوب المغارة الأكبر في بلادنا حتى يخال لك كأن الزمن قد تغير بسرعة وان الساعة قد أعادت ضبط عقاربها لتوائم زمان في مكان كثرت طهارته” واضاف “إن أطرقت السمع وأنت تسير بين البقايا والأطلال فستسمع حتما أصداء أصوات من عاشوا هنا تتردد منذ مئات السنين وكأنها تحرس قبور أصحابها”. إن هذا الدير هو الثالث ولكنه الاكبرالذي بناه القديس خريطون بعد دير عين فارة ودير أريحا. هناك شبه إجماع في مختلف المصادر على انه بني بين العام 325 والعام 350 وهو عام وفاة القديس خريطون حيث توفي في 28-9 والذي أصبح يوم القديس خريطون حيث يتم إحياءه كل عام. فادي قطان احد أعضاء المجموعة الاستكشافية والذي قام بدور مميز في عمليات الاستطلاع والتأكد التي سبقت وتلت الجولة تحدث عن حياة القديس ومعاناته ” لقد ولد في منتصف القرن الثالث في مدينة ايكونيوم جنوب غرب تركيا التي كانت يومها رومانية، وما أن بلغ مرحلة الشباب حتى عانى من ظلم الإمبراطور اوراليان. انتقل إلى بيت لحم والقدس وجوارهما” نظر فادي من احد التلال المشرفة على بقايا الدير والمغارة وأضاف “لقد قضى سني عمره الأخيرة هنا بين أقسام الدير والمغارة العملاقة وتوفي هنا ليصبح فيما بعد The confessor of Palestine”
بعد مسير شاق شابه كثير من التيه والسقطات وحالات الإعياء الشديد التي كادت أن تحرم البعض شرف بلوغ نهاية المشوار، وصل أعضاء الفريق الاستكشافي إلى باب المغارة المعروفة لدى كل الناس “بمغارة خريطون” المحاط بحجرات الدير من أكثر من جهة، بابها الصغير لا يدلل على حقيقتها، فهو لا يظهر للعيان حتى من مسافات قريبة. دخول المغارة الحالكة الظلمة، والتقدم في متاهاتها المتشعبة جدا كان سهلا في البداية وذلك بفعل المصابيح الكثيرة التي كانت بحوزة كل واحد من المتقدمين داخل المغارة، حيث وصل الفريق إلى إحدى الحجرات الضخمة جدا ذات الارتفاع الهائل، ثم تبع ذلك دخول أنفاق زحفا على البطون، ثم التقدم في انفاق أخرى شديدة التعرجات، تلا ذلك انحدارات حادة زلقة، وممرات صاعدة ملساء جدا. لقد تعرض كل عضو من أفراد المجموعة لعشرات الصدمات في الرأس والتي حالت الخوذ التي كانوا يعتمرونها دون تعرضهم للأذى. كذلك تعرضوا لسقطات كثيرة، لكن جوا من المرح والسعادة الغامرة كان يسود الأجواء، لقد تجول المستكشفون داخل المغارة حوالي الساعتين والنصف. عائد حوشية المرشد التربوي تحدث عن المغارة “هذه أضخم مغارة في فلسطين. يبلغ مجموع أطوال ممراتها أكثر من أربعة آلاف متر وعدد حجراتها أكثر من خمسين بعضها يتجاوز ارتفاعه 15 متر. هذه مغارة طبيعية وليست من صنع الإنسان. بعض مقاطع المغارة رطب جداً. نسب الأكسجين فيها ممتازة. ارتبطت هذه المغارة بالقديس خريطون والدير الذي تتوسطه”
أثناء الجولة الاستكشافية وبعد انتهائها تردد السؤال التالي على السنة كثير من أعضاء المجموعة الاستكشافية:- هل أنصفنا كأفراد ومؤسسات ومسئولين هذا القديس وارثه القابع هناك؟؟؟ في كل مرة كان يطرح هذا السؤال كان الصمت يسود.
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة “مستكشفو فلسطين” قد نفذت خلال العام الماضي الكثير من الجولات الاستكشافية في مختلف مناطق الوطن ولكن هذه هي الجولة الاستكشافية الرابعة التي تستهدف مباشرة مواقع وثيقة الصلة بأديرة أو بما كان ذات يوم أديرة.
↧
وادي خريطون والرحلة الى رحم التاريخ
↧