نجيب فراج -دخل الشاب كرم نصري عبد ربه السجن وخرج منه من دون ان يجتمع بعمه عيسى عبد ربه عميد اسرى بيت لحم الذي مضى على اعتقاله نحو 29 عاما.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت الشاب كرم البالغ من العمر 21 عاما من منزله في مخيم الدهيشة وحكمت عليه بالسجن الفعلي لمدة ستة اشهربتهمة المشاركة في مقاومة الاحتلال.
ويقول كرم خلال حديثه مع مراسل”القدس”انه وبمجرد ان دقت قوات الاحتلال منزله في ساعة متأخرة من الليل وادرك ان الهدف اعتقاله قفز الى ذهنه فورا وقبل ان يكون قد وقع في قبضة الجنود كيف يسعى لمشاهدة عمه لدى وصوله الى السجن، فعمه عيسى اعتقل قبل ان ياتي كرم الى هذه الدنيا بثماني سنوات وهاهو اصبح عمره اكثر من عشرين عاما فلم يشاهد عمه ولم يشاهده عمه الا عن طريق الصور، وبالتالي فهو اي كرم اعتبر اعتقاله فرصة لمشاهدة عمه، وبالفعل جرى نقله الى سجن عوفر ، ولحظة وصوله هناك بدا بتقديم الطلبات لادراة سجن عوفر كي يسمح له او يتسنى له ان يشاهد عمه المعتقل في سجن ايشل وذلك من خلال نقله الى هناك وخاصة ان عملية النقل ليست مستحيلة او حتى صعبه فالحركة ما بين عوفر وايشل حركة دائبة وبشكل شبه يومي ، في نقل الاسرى باستثناء كرم لانه ببساطة طالب بالنقل هذا هو النهج الذي تطبقه مديرية مصلحة السجون ضد الاسى منذ عقود، كذلك لم تفلح محاولات عمه ايضا المستمرة في مشاهدة ابن اخيه قبل ان يتم الافراج عنه.
خرج كرم من السجن ليشاهد جدته “ام عيسى” التي بلغت العقد الثامن من عمرها وهي تنتظر عيسى من جهة ومن الجهة الاخرى وهي تقوم بزيارته متنقلة بين السجون المختلفة على مدى العقود الماضية ولكن المرض اقعدها في الاونة الاخيرة واصبحت حركتها ثقيلة ولم تتمكن من الزيارة المنتظمة لنجلها، وعندما علمت ان كرم لم يتمكن من مشاهدة عمه غضبت كثيرا وكانها كانت توجه اللوم لحفيدها بطريقة او باخرى مع علمها التام ان ذلك ليس بارادته او باختياره وهي تدرك تمام الادراك ان مثل هذه الاجراءات نهج متاصل لدى الجانب الاسرائيلي الذي يتفنن دوما في تعذيب الاسرى واهاليهم.
ويتسائل كرم عن مغزى عدم تمكنه من الالتقاء بعمه لاول مرة في حياتهما وماذا يجرى لو تم ذلم وما دخل ان يلتقي بعمه بدواعي الامن ، خاصة وان اللقاء هو انساني بكل المقاييس وهذا يدلل على ان الاسرى واهاليهم يواجهون سياسة تعسفية متناقضة مع الاعراف والمواثيق الدولية.
فقصة كرم وعمه عيسى هي من بين قصص معانيات الاسرى وتفاصيل قضيتهم التي تعج بالكثير من المشاعر والالام والاحزان ودليل على مدى المعاناة التي لا يمكن لاحد ان يتصورها، فعاد كرم الى البيت ورغم ان حدث الافراج حدث سعيد الا ان غصة حزينة تجتاح باطنه ولا يمكن ان ينسى انه دخل السجن وخرج من دون ان يرى عمه وهو دائم الحديث في اي مجلس واي مكان عن كيفية عدم تمكنه من لقاء عمه.
يشار هنا الى ان عيسى عبد ربه يبلغ من العمر 50 عاما ومحكوم بالسجن المؤبد مرتين بتهمة المشاركة في مقاومة الاحتلال ورغم كل هذه المدة الا ان والدته “ام نصري” لم تفقد الامل يوما بان نجلها سوف يكون في حضنها في يوم من الايام، وظلت تواظب النزول الى اماكن الاعتصام في مقرات الصليب الاحمر على مدى العقود الماضية ولم تنمقطع حتى بعد مرضها وكانت تطلب من حفيدها كرم ان يجر عربة المقعدين التي تستخدمها كي يرافقها الى خيام الاعتصام في السنوات الاخيرة، ولم تترك مناسبة تتعلق بالاسرى وبقضاياهم فعندما حضر الاسير المحرر خضر عدنان مفجر الاضرابات الفردية الى احدى الخيام ببيت لحم فذهبت اليه وعانقته واطلقت العديد من عبارات التثمين والتحية والاعجاب وكانت تخاطبه دوما بلقب”البطل”.
لقد تأملت ام “نصري كثيرا أن يطلق سراح الأسرى في صفقة شاليت وفي المفاوضات السياسية، وعندما التقت مع الرئيس أبو مازن في الإفطار الجماعي في شهر رمضان قبل الماضي مع سائر أهالي الأسرى القدامى قالت له: هم أبناؤك وأولادك وينتظرون منك أن تضغط وتعمل على إنهاء معاناتهم الطويلة، وأطلقت في وسط المقاطعة زغاريد تمتزج فيها الدموع مع الأمل والحنين الى غد أجمل بلا معاناة وعذاب.
لقد تعرض عيسى خلال 29 عاما الى العزل والقمع والتنقل من سجن الى سجن، وكان دائما يخاف على كل ما يكتبه ويرسمه في السجن من المصادرة على يد السجانين، فقام بإخراج يومياته وخربشاته وصور زملائه بالسجن الى والدته التي تحتفظ بها في صندوق مع مفتاح البيت القديم في قرية الولجة.
↧
قصة الشاب الذي اعتقل وافرج عنه من دون ان يشاهد عمه المحكوم بالمؤبد
↧