نجيب فراج -الكثير من القضايا علقت في ذهن الفنان الفوتغرافي الفلسطيني الذي يعيش في الشتات احمد المحسيري عندما زار لاول مرة قريته ومسقط راس ابائه واجداده بيت محسير القريبة من القدس والتي هجر اهلها في العام 1948 ، ولكن القصة المؤثرة التي يكرر ذكرها في كل مناسبة او معرض للصور او لقاء صحفي هو احد المنازل التي بقيت في القرية وهي ثلاثة حيث كتب على هذا المنزل وما زال واقفا” تم بحمد الله تشييده عام 1946″ أي ان صاحبه لم يكد ليقطن به وينفذ احلامه من خلاله الا وقد هجر بالقوة اسوة بباقي الاهالي بعد سنتين من بنائه.
زيارة مسقط الراس غريبا
ويقول المحسيري الذي زار القرية عام 2013 قادما من الولايات المتحدة حيث يعيش هناك ان ما يوجع القلب ان تقوم بزيارة لقرية الاباء والاجداد ومسقط الراس وكانك غريبا وهذا من شانه ان يعمق الماساة اذ لا زال الملايين من الفلسطينيين يعيشون بعيدا عن قراهم ومدنهم الاصلية في مواقع الشتات المختلفة من دون حتى ان يتمكنوا من زيارتها كما حصل معه لانه ببساطة يحظى بجواز سفر اجتبي اما البقية فهم حتى لا يتمكنون من ان يصلوا قراهم الاصلية حتى لوكانوا غرباء.
ثلاثة معارض في رام الله ويافا وحيفا
يعود احمد المحسيري مرة اخرى الى فلسطين في العام 2016 وخاصة فيما يعرف بشهر النكبة حيث اقام من 14 ولغاية 21 ايار ثلاثة معارض في عدد من المدن حيث اقيم المعرض الاول في رام الله بالتحديد في قاعة “الجليل ” بمتحف محمود درويش من 14 الى 18 ايار ، اما المعرض الثاني فقد اقيم في مدينة يافا بقاعة المركز العربي في 19 من ذات الشهر، اما المعرض الثالث فكان في مدينة حيفا في الحادي والعشرين من ايار في قاعة مركز “مسار” وكان عنوان المعرض تحت اسم”عرش التراب” وهو اسم اقترحه عليه صديقه الشاعر والاديب الكبير ابراهيم نصر الله ومستمد من احدى قصائده والتي تعني السمو بالتراب وقد عرض في هذه المعارض 40 صورة التقطها في العديد من المدن والقرى الفلسطينية وكذلك المخيمات ، أراد من خلالها الحفر عميقا في الذاكرة ورعاية الحلم وزرع روح المكان في الوجدان
التركيز على المباني القديمة
وقال:” حاولت التركيز في اتخاذ اللقطات على المدن الفلسطينية المحتلة والمباني القديمة مثل الكنائس والأبواب والأقواس التي تدل على عراقة مدنها وتاريخيتها، وعلى طبيعة ومناخ فلسطين الذي يعكس طابع المكان وجماله”.
وأضاف: “الكثير من الصور خلت من الأشخاص، ولكنني أردت من خلالها الاستيفاء بالمكان بصريا وفنيا وجماليا ومكانيا، فالصورة التي تخلو من الإنسان مباشرة لا تخلو من رائحته وأردت من خلال الصور الاقتراب حد العناق من اللوحة التشكيلية المرسومة، حيث بدا للكثير من الزوار أن بعض الصور لوحات تشكيلية”.
واعتبر ان اقامته لهذا المعرض في المدن الثلاث له رمزية كبيرة بهذا الاتجاه واهمها ان الوحدة الجغرافيا في فلسطين التاريخية ثابتة في الاذهان والقلوب ووجدان شعبنا رغم كل تلك الحواجز العملية والمعنوية لتقسيم البلاد وهو تقسيم قسري ليس له علاقة بالتاريخ والجغرافيا والحضارة الكنعانية الفلسطينية في هذه البلاد.
غادرتك مؤقتا
وكتب المحسيري لدى مغادرتها ارض الوطن على صورة التقطها في القدس القديمة”فلسطين .. غادرتك اليوم مؤقتاً .. وتركت قلبي في حواريك .. ليبقى شوقي لك يزاحمه الحنين .. لقد خرجت منك أكثر فلسطينية .. لأن كل شيء فيك يشبه شكل روحي !!”
وهجّرت عائلة المحسيري عام 1948 من قرية بيت محسير غرب القدس، وهو من مواليد مدينة أريحا التي نزح أهله منها إلى الأردن، حاصل على درجة بكالوريوس في الكيمياء من جامعة بغداد 1980 ودرجة البكالوريوس بامتياز في الفنون الجميلة من جامعة ايسترن في الولايات المتحدة، عام 2000 وهو عضو نادي خريجي جامعة eku ، ولاية كنتاكي، وقد عمل في مجال الجرافيك والتصميم الفني في كل من مدينة نيويورك ومدينة رتشموند.
وعمل في مجال التصوير الفوتغرافي الاحترافي منذ عام 2001 ، وقد تخصص في مجال التصوير بالاسود والابيض بعد تخرجه وعمل محترفه الخاص وقد شارك في معظم المعارض الفنية اثناء دراسته وله العديد من المقتنيات في الاردن وفلسطين والولايات المتحدة.
وأقام المحسيري معرض تصوير فوتوغرافي في جاليري القاهرة بعمان عام 2012 بعنوان “تحت شمس الجراح رحلات إلى فلسطين”.
هذا وقد قال محمد الجالوس مسؤول الفنون في مؤسسة غاليري التي سبق لها ان رعت معرض” تحت الشمس” ان كاميرا الفنان المحسيري قد اخذتنا الى فلسطين لنرى بعينه ووجدانه ما ابكاه ثم ابكانا، انها فلسطين التاريخية ، باصابع الكيمائي، والتي حطت حقائبه قبل ما يزيد على ثلاثين عاما بغداد، طالبا في قسم الكيمياء، وهاهي الكيمياء ذاتها تعود في رصده الدقيق للالوان وتفاعل احماضها وعشقه للظلال وهي تعكس الضوء وشجنه، ونقرا من خلال كل التفاصيل ظلال المشهد الذي غاب منذ بدات ماساة الشعب الفلسطيني بعيدا عن بلاده وارضه تلك التي زرعها الاجداد الكنعانيين عبر الاف السنين وهي ذات الرحلة ، التي ظل قلب الفنان ينبض بها، مدنا وقرى رغم سنوات اغترابه الطويلة في امريكا، رحلة لبلاد يحفظ تضاريسها الاجداد وما زالت تدق جدار الذاكرة لمن بقي منهم على قيد الحياة على ان الذاكرة ذات الذاكرة تنتقل من جيل النكبة لتحل روحا مفعمة بطعم الجرح في جيل الشتات جيل لم يرى هذه المدن ولم يعش بها ابدا”.