نجيب فراج -تتكرر مأساة العمال الفلسطينيين حتى اولئك الحاصلون على تصاريح عمل للوصول الى اماكن عملهم داخل مناطق الخط الاخضر عند معابر جيش الاحتلال الاسرائيلي حيث يقوم الجنود باجراءات الفحص والتفتيش لهؤلاء العمال بطريقة تضاعف من معاناتهم وماساتهم.
ويعتبر معبر ترقوميا الواقع الى الغرب من مدينة الخليل ومقام على اراضي خربة “جمرورة” التابعة لبلدة بيت كاحل من بين المعابر التي تجسد معاناة الاف العمال يوميا جراء مجمل الاجراءات والممارسات على هذا المعبر من جهة ومن جهة اخرى طبيعة تكوين هذه المعبر من حيث التعقيدات والمداخل والاسلاك الشائكة ومجمل كمية الحديد الموضوعه به حيث يقول العامل محمد حمدان ان مثل هذه الترسانة لا تقام الا في الحروب او على الاساس العنصري اذ لا يمكن لاسرائيل ان تسمح لمواطنيها المرور عبر مثل هذه المعابر الاذلالية.
النقابي محمد العطاونة عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد نقابات عمال فلسطين والذي يتابع اوضاع هذا المعبر عن كثب وفي كل تفاصيله انا اطلقت عليه حاجز الموت، لما يمر به العمال من اجراءات يصعب على المرء مهما بلغت طلاقة لسانه ان يصفها ، حيث يضطر العامل ان ياتي عند الساعة الواحدة من فجر يومه الى الحاجز كي يتمكن من الولوج عبره الى مكان عمله داخل مناطق الخط الاخضر في الموعد المحدد لبدء العمل وهي ما بين السادسة والنصف والسابعة صياحا، وهؤلاء العمال الذين ياتون في هذه الساعة المبكرة جدا يخرجون من مناطق بيت لحم ومناطق شمال الخليل كبيت امر وحلحول والعروب على اعتبار انها مناطق بعيدة، اما العمال الذين ياتون من المناطق الاقرب للمعبر والقاطنين في المناطق الغربية من الخليل فهم يحضرون بعد ذلك بساعة”، “انها طريق الالام ، حيث يخضع العامل لثلاث مراحل من التفتيش تستغرق ما بين 28 دقيقة وما بين 54 دقيقة وهذا يجعل الاف العمال ربما يصل عددهم الى ثمانية ان يتكدسوا في خارج المعبر لانتظار دورهم، اما المراحل التي يمر بها العمال فالمرحلة الاولى يمر عبر 200 متر من حاجز حديدي وهنا يخضع للتفتيش الالكتروني السريع، اما المرحلة الثانية هو فحص تصريح الدخول وبطاقة الهوية اما التفتيش الثالث فهو تفتيش يدوي في مختلف انحاء الجسد”، ويقول عطاونة انه ليس بالضرورة ان يكون العامل محظوظا حينما يقرر الجندي الطلب منه بخلع ملابسه ويجري ذلك بشكل يومي على اعبتار انها خاضعة لمزاج الجنود، الذين يمارسون دوما اجراءات عنصري بكل ما تحمل الكلمة من معنى، اما عند العودة فاجراءات التفتيش تكون اقل بكثير ليصل العامل الى بيته ما بين الساعة الخامسة والسابعة حسب موقع منزله واجراءات الجيش في ذلك اليوم، المهم في الموضوع ان العمال ما ان يتناولوا عشائهم ويرتاحون بعض الوقت القصير جدا مع عائلاتهم ليبدأون بالتحضير لليوم الثاني من العمل الذي لا تفصلهم سوى خمس الى ست ساعات، وهذا يعنى اولا ان علاقتهم الاسرية سطحية وعلاقاتهم الاجتماعية قريبة من الصفر”.
واشار الى ان العديد من العمال يتعرضون للاصابة اثناء الازدحام والتدافع كما حصل مع العامل كايد عبد الرحيم بروييش من بلدة بيت كاحل مشيرا الى ان اتحاد العمال يتابع عن كثب ويستمع الىشهادات العمال بدقة شديدة ويحضر التقارير المتوالية ويرفعها لمنظمة العمل الدولية والتي تقع في اطار مسوؤلياتها متابعة هذه الملفات جميعها مشيرا الى ان ما يرتكب بحق العمال يقع في دائرة جرائم الحرب ولا حياة لمن تنادي.
وعند معبر بيت لحم الشمالي الذي يفصل مدينة بيت لحم عن توأمها القدس فان اجراءات الاذلال لاتقل وطأة وخطورة عن اجراءات معبر ترقوميا، ويقول العامل الفلسطيني اسماعيل صالح انه يعود الى منزله في بلدة الدوحة عند الساعة السابعة مساءا منهكا بعد يوم طويل من العمل في داخل احدى الورش الاسرائيلية بمنطقة المالحة في القدس المحتلة، وما ان يتناول طعام الغداء والعشاء معا يخلد الى النوم بعد مداعبة ثقيلة لابنائه الاطفال الثلاث ليستعد الى يوم عمل جديد يبدأ عند الساعة الثالثة والنصف فجر اليوم التالي كي يستطيع ان يصل الى موعد عمله الذي يبدأ رسميا عند السابعة صباحا، حيث يضطر للخروج المبكر حتى يتمكن من الولوج عبر معبر بيت لحم الشمالي حيث يكون قد سبقه الالاف من العمال، ويليه الالاف مثلهم الذين يمرون في اجراءات مرور صعبة للغاية لا يمكن وصفها، ويؤكد هذا العامل البالغ من العمر 37 سنة انه لا يقوم باي شيء اخر من المهمات الاخرى في منزله او الواجبات الاجتماعية او ممارسة الهوايات التي يعشقها اذ ان العمل الذي يقوم به وبهذا الهدر الطويل من الوقت والجهد لا يسمحان له بذلك.
ساعات الانتظار الاصعب من ساعات العمل نفسها
ويؤكد في ان الساعتين او الثلاثة التي يمضيها العامل من انتظار في الطوابير الطويلة على المعبر وسط هذا الضغط الشديد اصعب بكثير من الساعات الثمانية الاخرى التي يمضيها العامل في العمل، مشيرا الى ان جنود الاحتلال يتعمدون تطبيق اجراءات اذلالية شديدة من بينها تخصيص ممر لا يزيد عرضه من متر واحد حيث يقسم الى ثلاثة مسارب كي يمر العمال من خلالها ليتحول اولا الى علبة ساردين بامتياز وثانيا يبدا العمال بدفع بعضهم البعض في مبارزة للوصول الى نقطة التفتيش تحت أي ظرف من الظروف اذ ياتي العامل الى المعبر وهو في ذهنه الدخول تحت أي ظرف رافضا أي احتمال للعودة الى المنزل جراء هذا الازدحام لان هذا الاحتمال بالنسبة له هو الاكثر اذلالا اذ عدم العمل فانه سيعرض عائلته للجوع.
وقال ” يشاهد الجنود كل هذه الفوضى المتعمدة والتزاحم واحيانا المشاجرة بين العمال انفسهم بدون أي تدخل بل هم معنيون بهذه الفوضى ، ودائما ما يكون للتزاحم نتائج سلبية فهناك من يصاب برضوض او حتى كسور وضرب مثلا على ذلك ان احد اصدقائه اصيب بكسر في ضلعه جراء هذا التزاحم العنيف، هذا اضافة الى ما يقوم به مئات العمال بالقفز على القضبان الحديدية في محاولة لاستباق الزمن وتجاوز الطوابير الطويلة، والتزاحم يكون اكثر الما للنساء اللواتي يمررن بمثل هذا الطريق من الالام ، فمئات النسوة من الممرضات والمدرسات والعاملات في مؤسسات القدس، وكذلك طالبات الجامعات يدخلن في هذا التزاحم بدون رحمه وبدون أي مراعاة لاحوالهن فيقعن فريسة هذا التزاحم.
وقال “انه معبر للذل والظلم والهوان، والانانية وعدم مراعاة أي حالة حتى اولئك الذين يعانون من اعاقات جسدية، موضحا بانه لا يوجد أي دور لاي من المؤسسات النقابية والحقوقية في هذه المعاناة، مشيرا الى ان افرادا اجانب من منظمة العمل الدولية يتواجدون على المعبر في ايام محددة وكل عملهم يقومون بعملية التدوين على ما يشاهدون من دون أي تدخل.
الاعتداء هو الاحتمال القائم
عامل اخر يدعى محمود ابو الهدى شرح ” ما تعرض له من معاناة قبل نحو اسبوعين فهو متعود ان يجتاز المعبر ومن ثم يتوجه الى موقف محطة الباصات المركزية في محني يهودا وهناك ينتظر مشغله كي ينقله الى مكان العمل كالمعتاد وعندما كان ينتظر ويلتفت يمينا وشمالا في حركة عادية ينتظر مشغله واذا باثنين من الشرطة الخاصة حضروا بسرعة البرق الى المكان وعلى ما يبدو بعد اتصال من بعض المنتظرين اليهود بحجة الاشتباه به، فهجم عليه الاثنان كالمصروعين وطرحوه ارضا وضربوه ضربا مبرحا حتى اغمي عليه ومن ثم نقل الى المستشفى للعلاج، وقال ان شكل الضرب كان جنونيا وهم يفتشون عن سكين ولم يجدوا معه الا كيسا بداخله بعض من الاكل كي يسد رمق جوعه اثناء ساعات العمل، وفي جريرته اعتدى الاثنين ايضا على عامل من القدس حيث انبرى بشكل خجول الدفاع عنه وقال للشرطيين بالعبرية بانه لم يعمل شيء وهو الذي كان خائفا من ان يعتدى عليه وهذا ما حصل حينها انقض الشرطيين ايضا على الشاب المقدسي وصلبوه على الجدار بعد ان عرفوا انه فلسطيني.
ازدياد العنصرية منذ الهبة
ويؤكد الكثير من العمال انه ومنذ اندلاع هبة القدس الحالية في الاول من تشرين اول الماضي قد ازدادات العنصرية ضد العمال الفلسطينيين فمن جهة ان الاسرائيليين يريدونهم في العمل ومن جهة اخرى يمارسون ضدهم المزيد من الريبة والشك والملاحقة وهناك الكثير من الحالات التي سرعان ما يتفاجأ منها العامل وخاصة وهو في الطريق الى عمله بحضور عناصر امنية وشرطية ويحيطونه ومن ثم يضعونه للتفتيش وكل ذلك ناجم عن اتصالات هاتفية من الاسرائيليين بدعوى انه اثار الشبهات وهذه الحالات قد كثرت بشكل كبير واصبحت ظاهرة تخيف العمال وتجعل الكثيرين منهم عدم التوجه الى اعمالهم “فكل فلسطيني مشبوه حتى يثبت العكس” بحسب ما قاله العديد من العمال، والعكس هنا هو مهاجمته من قبل افراد الشرطة وتفتيشه وفي بعض الاحيان عاريا من ملابسه حتى يتم التأكد انه لا يحوي أي اداة حادة، ومن ثم يخلى سبيله حتى بدون كلمة اسف.
السوق الفلسطينية غير مؤهله لاستيعابهم.
العامل قاسم ابو عدوان قال بان السواد الاعظم من العمال في اسرائيل لا يحبذون العمل هناك، وعيونهم ترمق على السوق الفلسطينية للعمل فيها حتى بادنى الاجور ولكن هذه الفرصة لا يجدونها موجها اللوم الى اصحاب الشركات والمصانع الفلسطينية التي تمارس استغلال حاجة العمال ولا يلتزمون بالحد الادنى من الاجور ومن جهة اخرى غياب الرقابة على اصحاب هذه الشركات حتى ان الرقابة غائبة بشكل كبير على غلاء المعيشة اذ ان ارتفاع نسبة الاسعار تصل الى حد 200% وهذا من شانه ان يؤثر على العمال الذين يضطرون للذهاب الى سوق العمل الاسرائيلي كي يحصلوا على اعلى ما يستيطعون من اجور.
يمر الاول من ايار عيد العمال العالمي والذي هو عطلة رسمية لدى السلطة الفلسطينية على العمال الذي يعملون داخل مناطق الخط الاخضر ثقيلا بحسب وصف العديد منهم فهم لا يؤمنون بهذه العطلة لان أي جهة لم تعوضهم على ذلك ولا يتعبر لديهم عطلة مدفوعة الاجر كما نظرائهم الذين يعملون في منشئات مناطق السلطة ولذا فهم يذهبون الى اماكن عملهم في ساعات الفجر الاولى ويعودون الى منازلهم مساءا منهكين كما في كل يوم