نجيب فراج -اصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانا بمناسبة الذكرى الثامنة لرحيل مؤسس حركة القوميين العرب ومؤسس الجبهة الشعبية وامينها العام على مدى ثلاثة عقود الدكتور جورج حبش والتي تصادفي في السادس والعشرين من الشهر الجاري ، وجاء في البيان ” ان الحكيم الإنسان والمناضل والقائد الثوري، الذي قذفت به نكبة فلسطين وشعبها إلى رحم الجماهير الشعبية العربية، وظل ابناً وفياً لها، وضميراً لحركتها الثورية ببعديها الوطني والقومي على مدى ما يزيد من ستة عقود من النضال، قابضاً على همومها وأهدافها، في الانعتاق والتحرر والاستقلال والوحدة والتقدم والديمقراطية، بصلابة وعزيمة لا تعرف الكلل أو الوهن أو الضعف، عاش ورحل نموذجاً لقائد من طراز فريد، في رؤيته ومنطلقاته وممارسته وكفاحيته وصدقه ووضوحه وشفافيته، حيث كانت بنيته الفكرية والأخلاقية شديدة الإحكام والتماسك والقوة العصية على التفكيك”.
وفي هذه المناسبة التي تختلط فيها مشاعر الحزن والألم، بمشاعر الفخر والأمل، نجد من الضرورة أن نقف أمام أبرز الدروس والعبر التي جسدتها التجربة النضالية الثورية الممتدة للحكيم، وأهمية تمثّلها في هذه اللحظة السياسية التي يعيشها شعبنا وقضيته الوطنية ومن بينها إيمانه وثقته بحتمية الانتصار على المشروع الصهيوني وحلفائه، وبدور الجماهير الشعبية العربية الحاسم في تحقيق هذا الانتصار، انطلاقاً من التلازم الجدلي بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي، بين تحرير فلسطين والوحدة العربية من جهة، وطبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي، الذي يستهدف عموم المنطقة والأمة العربية وليس فلسطين فقط من جهة أخرى، وتحصنه بالمبادئ وتمتعه بالوضوح السياسي وتسلحه بالمناعة الثورية، الذي جعله رغم كل الهزائم والانهيارات وتبدلات المواقع التي جرت، يقف على أرضية راسخة في معسكر الثورة وحلفائها، متمسكاً ومدافعاً صلباً عن قضية شعبه وأمته، بحيث لم يفقد البوصلة التي تشير إلى فلسطين يوماً أو تلك التي تحدد وبوضوح معسكري أصدقاء وأعداء الشعب الفلسطيني وثورته في وجه الظلم التاريخي الذي لحق به.
وجاء في البيان ان حبش قد ربط بشكل وثيق بين النضال الوطني التحرري ضد الاحتلال الصهيوني من أجل الحرية والعودة والاستقلال، جنباً إلى جنب مع النضال الاجتماعي الديمقراطي من أجل مواجهة كل أشكال الفقر والحرمان والقهر والاستغلال والتمييز، انطلاقاً من قناعته بأن النضال الوطني التحرري الفلسطيني لن ينسجم أو يتناغم حقاً، طالما بقي التفاوت الطبقي – الاجتماعي قائماً في صفوف الشعب الفلسطيني، وطالما بقيت نصف طاقته الحقيقية الممثلة بالمرأة الفلسطينية معطلة وغير فاعلة، وكذلك قتاعته الراسخة بضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار التعددية الفكرية والتنظيمية القائمة في صفوف الشعب الفلسطيني، لذلك رأى أن التناقضات والاختلافات والتعارضات مهما كانت حدتها، موضوعية وصحية، وبأنها مصدر أساسي للارتقاء والتقدم والتطور، طالما بقيت مضبوطة لأولوية تناقضها الأساسي مع عدوها الرئيسي، ولقواعد الحوار والحوار فقط، لا السلاح والانشقاق، وآمن ايمانا بعمق بضرورة التجدد والتجديد وترسيخ الممارسة الديمقراطية قيماً وثقافةً وسلوكاً، ودوام ضخ الدماء الجديدة لصفوف الحزب والثورة، وضرورة رفدهما بالكفاءات والطاقات القادرة والمبدعة والخلاقة. لذلك لم يكن الموقع القيادي بالنسبة له سوى مكاناً للتضحية والتفاني والعطاء والوفاء والترفع والزهد واستمرار حمل أمانة الشعب والقضية، حتى ولو لم يكن في الموقع الأول، الذي آثر التخلي عنه طوعاً ليعطي مثلاً ونموذجاً غير مألوفاً في واقعنا العربي ومنه الفلسطيني. وكذلك آمن بأولوية الِعلم والتنظيم والتخطيط في مواجهة الجهل والعفوية والارتجال.
واختتم البيان قوله “رحل الحكيم في عام النكبة الستين، كما بدأ معها، ولا تزال فصولها مستمرة، لكن عزاؤنا، أن ما دشنه في مدرسته الثورية وتجربته النضالية من مبادئ ومنطلقات ورؤى وقيم وأخلاق لا تزال ماثلة في عقول وقلوب وسلوك كل من اهتدى إلى دربه وسلك طريقه الكفاحي وتمسك بأهدافه الوطنية والقومية والأممية.