نجيب فراج -يعتبر موضوع الطلاق في المجتمع الفلسطيني خصوصا وفي المجتمعات العربية والاسلامية عموما موضوعا حساسا ودقيقا ليس لانه يمس عائلات كانت متماسكة وحسب بل يمس نسيج المجتمع بشكل عام.
يؤكد الحقوقيون والباحثون ان الطلاق في المجتمع الفلسطيني يزداد يوما وراء يوم وسنة بعد سنة ولهذا كله اسبابه وملابساته ويقول المحامي الشرعي طارق عبيات من بيت لحم ان الطلاق في ارتفاع متزايد في مجتمعنا اذ تعالج المحكمة الشرعية في بيت لحم حيث هو في اتصال معها ثلاث حالات في الاسبوع الواحد على الاقل، وما هو ملاحظ ان الطلاق لا يقتصر على الازواج الشابة ولا يقتصر على ما بعد الزفاف فهناك حالات كثيرة يقع الطلاق ما قبل الزفاف أي حينما يكون الزوجان في حالة عقد القران فيضطرا الى الطلاق قبل الاحتفال بالزفاف وهي حالات ليست بالقليلة.
طلاق بعد 24 سنة من الزواج
وفي احدى حالات الطلاق لاثنين من احدى القرى فقد اقدما على خطوة الطلاق بعد 24 سنة من الزواج اذ ادعت الزوجة لدى قيامها بتقديم الدعوة ضد زوجها بانه كان يضربها ضربا مبرحا ويعتدي عليها بانتظام لانه يريد منها ان تستقيل من وظيفتها الحكومية رغم انه عاطل عن العمل ، وحاولت مرارا ان تتجاوز المشكلة وتقفز عنها عله يتغير ولكنها وامام استمراره في غيه قررت رفع دعوى طلاق بحقه موضحة ان ابنائها اصبحوا شبابا وانهم يقومون برعاية والدهم وقد تمكنت من بناء منزل للعائلة بمساعدة نجلها ومع ذلك ظلت تتعرض لهذه الاهانة ما جعلها تصمم على رفع دعوى الطلاق وتمكنت من الحصول عليه.
طلاق بسبب الزوجة الثانية
وفي قضية اخرى طلبت زوجة الطلاق من زوجها بعد نحو 14 عاما من الزواج ولديها طفلين وذلك بعد ان علمت انه يريد الزواج عليها من ثانية ولما احتجت على هذه الخطوة بادر بضربها بشكل مبرح وقد تعرضت للضرب في الشارع ولدى تدخل شقيقه كي يحجز عنها تعرض هو الاخر للضرب، وبعد تصاعد الموقف تقدمت بدعوى للطلاق لدى المحكمة الشرعية وقد حصلت على ذلك.
ولدى وجودي في المحكمة الشرعية جلس الى جانبي الشاب طارق ابو عبد ربه الذي سرد عديد القصص عن طلاق تخص عددا من اصدقائه ومعارفه حيث قال ان حالات الطلاق التي يعرفها كلها بين الازواج القدماء ان جاز التعبير والذين لديهم ابناء كبار معتقدا ان حالات الطلاق في تزايد مستمر وضرب مثلا على حالة طلاق لرجل في الخمسين من عمره بعد ان تزوج الثانية بثمانية اشهر اضطر الى تطليقها نظرا لكثرة تطلباتها لتصبح عبئا عليه.
وقال طارق ان الزوجة في هذه الظروف حيث غزو وسائل الاتصالات المغرية اصبحت تقضي اوقاتا طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي وتنسى مهماتها داخل البيت حتى انه في بعض المرات تتاخر في تحضير الغذاء او تهمل في متابعة تعليم ابنائها ولذلك بدا يفكر الزوج بحل لهذه المعضلة اما الزواج الثاني او الطلاق بحسب تعبيره.
الزواج المبكر والتقليدي من بين الاسباب
المحامي عبيات قال في سياق مقابلته مع “القدس” ان للطلاق العديد من الاسباب من بينها ظاهرة الزواج المبكر للشاب والفتاة على حد سواء اذ يقع الزواج مثلا لشاب عمره 18 عاما وهو لم يكن قد اصبح مؤهلا كزوج ويعيل عائله ووضعه الاقتصادي لا زال على كف عفريت وعندما تزداد متاعب الحياة ومتطلباتها يصبح غير قادر على الايفاء باستحقاقاتها وفي هذه الحالة يصطدم الزوجان باستحالة الحياة المشتركة خاصة والزوجة تكون اقل من سن 16 عاما وهي غير واعية بعد، وكذلك عدم الانسجام بين الزوجين وانتشار ظاهرة الزواج التقليدي من دون ان يكون معرفة كافية للاثنين مع بعضهما البعض، ومن بين الاسباب ايضا الخيانة الزوجية اضافة الى الطموح الكبير من قبل الفتاة في ان تتمتع بحياة فيها المزيد من وسائل الراحة، وغيرتها من وضع صديقة لها المريح فهي تريد حياة شبيهه.
وسائل الاتصال الاجتماعي وموقعه في الزواج
واكد عبيات ان لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في زعزعة المجتمع لمن يريد اذ تابع قضية لديه قيام امراة بالتعرف على شاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالسفر اليه خارج البلاد وتركت ابنائها الثلاثة ورائها وفي هذه الحالة يكمن الكثير من الامثلة التي لا شك بانها تترك الاثر الكبير على الاسرة ، ان انتشار الغزو الثقافي الغربي بشكل مخيف ترك اثره بهذا الجانب حسبما يقول عبيات والذي يعتبر ومن خلال ما يتابعه من قضايا بان الفئة المثقفة ينتشر فيها حالات الطلاق، وان المدن في فلسطين تقع في المقام الاول ومن ثم المخيمات ومن ثم القرى وذلك نظرا لطبيعة هذه المواقع اذ ان القرى التي ترتبط بوثائق عشائرية وطيدة ومعرفة العائلات لبعضها البعض قد يكون سببا اساسيا لقلة انخفاض هذه الظاهرة في القرى.
المحاولة في الاصلاح بين الطرفين
عندما تصل قضية الطلاق الى المحكمة يحاول دائما القاضي الشرعي ان يصلح بين الطرفين ويعطيهما فرصة للتفكير من جديد في محاولة لثنيهما عن الطلاق وفي حالة اصرار الطرفين يتم عمليا ويسجل في السجلات الرسمية ، وفي حالة ما يطلق عليه النزاع والشقاق فان القاضي يحول القضية اولا الى محكمين شرعيين وهم معتمدون رسميا من قبل المحكمة الشرعية والذي يبدأ بجمع المعلومات عما يتحمل المسؤولية من كلا الطرفين وعن اساب التقدم للطلاق من اجل الوقوف عند ملابساته لا سيما لدى ادعاء الزوجة على سبيل المثال انها تتعرض للضرب وللظلم ، او الخيانة الزوجية فهي بحسب المحامية وسام عوض لمراسل “القدس” انها اسباب موجبه، وقالت انها لا تؤيد الطلاق وهي من انصار التريث وان لا تستعجل المراة في طلب الطلاق لانه في نهاية المطاف فان المطلقة في مجتمعنا ستكون منبوذة او على الاقل ينظر لها نظرة دونية، وهي تؤيد انه في حال ان تزوج الزوج للمرة الثانية ان تبقى المراة الاولى على ذمته لتحافظ على ابنائها من التشرد والضياع.
الطلاق ارتفع بشكل كبير منذ العام 2000
من جانبه قال نائل علاء الدين وهو محكم شرعي معتمد من قبل وزارة العدل الفلسطينية حيث تحول لديه قضايا الطلاق التي يطلق عليها نزاع وشقاق بان ظاهرة الطلاق في مجتمعنا هي ظاهرة خطيرة للاسف الشديد وهي في تزايد من عام لعام حيث سجل مثلا في محكمة بيت لحم الشرعية في العام 2013 ما بين 500 الى 600 حالة طلاق، بينما سجل في العام 2015 حتى منتصفه فقط 500 حالة وهذا ان دل على شيء فانما يدل على مدى التزايد، فالطلاق اصبح ظاهرة مجتمعية تحتاج الى حل وقفزت بشكل كبير منذ العام 2000معتبرا ان فلسطين رغم انها من اقل الدول العربية فيما اذا قيست بمصر او الاردن تتقاذفها رياح الطلاق التي قد تهز المجتمع، وقال من بين اسباب الطلاق ايضا ظاهرة تدخل الاهل بين الازواج الشابة، وايضا الاسراع وبمجرد عقد الخطوبة عقد الزواج قبل الدخول، وانا من انصار التريث في عقد الزواج وقت الخطوبة التي قد تستمر سنة او سنتين وهي فترة للتعارف بين الطرفين ويجب ان لا يتم عقد الزواج فيها مبكرا الا قبيل حفل الزفاف لان حالات الطلاق متزايدة وقت فترة الخطوبة ، ومن الاسباب الاخرى بحسب علاء الدين هو عدم وعي الفتاة لطبيعة الحياة الزوجية فالكثيرات منهن يعتقدن ان الزواج فترة ذهبية كما في المسلسلات التركية “رحلات وترفيه ومتعه” ولكن عندما يمر الوقت تكتشف بان الحياة الزوجية مختلفة بنسبة 180 درجة عما صورتها تلك المسلسلات، هذا اضافة الى قضية المهور ومتطلبات الذهب فهي تثقل كثيرا على كاهل الزوج الذي يمكث سنتين حتى يسدد ديونه وهذا سيكون بلا شك طعنا في استقرار الحياة الزوجية.
يؤيد علاء الدين بث الوعي في صفوف الشبان والشابات ولكنه في ذات الوقت وضع اللوم على بعض المؤسسات المدنية والنسائية التي تشجع المراة على الطلاق في حال نشوب خلاف من دون ان يبذل جهودا كافية لاقناع الطرفين بضرورة العدول عن فكرة الطلاق.
قاضي بيت لحم الشرعي الشيخ عبد القادر ادريس الذي كان منهمكا في العديد من الجلسات الشرعية قال لمراسل”القدس ان فلسطين تعتبر من بين اقل الدول العربية والاسلامية نسبة في وقوع الطلاق اذ تبلغ النسبة ما بين 13- 19 % ولكن العديد من الحقوقيين اكدوا ان ذلك ليس معناه بان نسبة الطلاق قليلة فهناك دول كما مصر بحجم فلسطين عشرة اضعاف بالسكان ولهذا ربما يبين ان بلادنا هي الاقل ولكن في حقيقة الامر فان الطلاق يتزايد ولا بد من اتخاذ خطوات ناجعة كي يحد من هذه الظاهرة، ومن بين هذه الخطوات عقد ورشات عمل من قبل بعض المؤسسات المحلية استهدفت شبان وشابات على وشك الزواج من اجل تثقيفهم بشأن مساويء الطلاق وضرورة المحافظة على الحياة الزوجية، ومن بين هذه الورشات واحدة انعقدت في مدينة غزة الاسبوع الماضي بمشاركة العشرات من الشبان من كلا الجنسين، ولكن هناك من يقول ان مثل هذه الورشات لن تكون مجدية فيما اذا لم يتم الاتخاذ بالاسباب التي ذكرت خلال التقرير.
الادارة