نجيب فراج -اكدت مؤسسة حقوق المواطن الاسرائيلية في رسالة وجهت الى الحكومة الاسرائيلية انه وبمناسبة مرور عشرة اعوام على اقامة جدار الفصل العنصري فان الاوضاع اخذة بالتدهور وان الاحياء العربية الفلسطينية تحولت الى مناطق عشوائية بدون أي خدمات تذكر
مع مرور عقد على اتخاذ قرار الحكومة ومصادقة المحكمة العليا على مسار الجدار، أرسلت جمعية حقوق المواطن صباح اليوم رسالة مفصلة حمّلت الحكومة الاسرائيلية مسؤولية الوضع التي آلت اليه الأحياء المقدسية، وطالبتها بتنفيذ الوعودات التي قطعت، وذلك عبر خطة طارئة يقوم بالإشراف على عملها طاقم وزاري، وتقوم بتنفيذها خلال فترة زمنية معقولة.
وتطرقت الرسالة، التي كتبنها المحامييتان نسرين علّيان ورونيت سيلاع من قسم الأراضي المحتلة في جمعية حقوق المواطن، الى تعهدات الحكومة في القرار 3783 مقابل صورة الوضع القائمة في الأحياء المقدسية، وذلك في كافة مناحي الحياة.
أثر جدار الفصل العنصري على حرية حركة المواطنين- حواجز أمنية تفصل بين الأحياء
وجاء في الرسالة ان الجدار أدّى إلى فصل عشرات آلاف السكّان عن مركز حياتهم المدنيّ الذي ينتمون إليه. وخلقت الحواجز في القدس قيودًا ثابتة على حريّة الحركة لدى السكّان، باسم الحفاظ على ما يسمى “أمن دولة اسرائيل”، وأصبحت أيّ مغادرة للأحياء تلزم السكان بفحص أمنيّ وساعات انتظار طويلة. وعلى الرغم من تعهدات اسرائيل بإقامة ما اسمته “آلية وصول معقولة للقدس” وبـ”انتقال للجهتيّن في وقت معقول”، وذلك عبر تشييد مسارات عبور للمشاة والسيارات والمواصلات العامة في منطقة حاجز قلنديا وحاجز شعفاط، إلا انه في الواقع العديد من المسارات لم تشيّد حتى اللحظة والعديد من المسارات مغلقة تماماً.
وذكرت الرسالة بان ممثلي الدولة وعدوا في إطار المداولات التي جرت في المحكمة العليا بأنّ أطول فترة انتظار على حاجز قلنديا ستكون 15 دقيقة للسيارة و25 دقيقة للمشاة. أمّا في الواقع فإنّ أوقات الانتظار طويلة أكثر ويمكن أن تستمرّ لساعة وأكثر في أوقات الذروة.
كما وذكرت انه إضافة الى الازدحامات، يحول وجود “نقطة اختناق” صوب الحواجز ومنها دون إمكانيّة الوصول بسرعة لتلقي خدمات الطوارئ، مثل سيّارات الإسعاف وسيّارات المطافئ، ما يُعرّض السكّان لخطر على الحياة. وقد توجهت “حقوق المواطن” في العاميْن الأخيريْن إلى الجيش الإسرائيلي مراتٍ عدّةً، وحذّرت من المخاطر وطالبت بإيجاد خطّة منظّمة للإخلاء والعناية في حالات وقوع حادثة مع إصابات كثيرة، مثل الحرائق أو الهزّات الأرضيّة، لكنّ التوجهات لم تلقَ الردّ بعد.
أثر جدار الفصل العنصري على الحق في التعليم- مدرسة في مبنى مستأجر خصص بالسابق لاستخدام الحبوانات!
وتطرقت الرسالة بإسهاب الى تعهدات الحكومة الاسرائيلية فيما يتعلق بالتعليم، إذ فصّلت المادة ج من القرار ثلاث خطوات مدمجة من أجل ضمان الحقّ بالتعليم ما وراء الجدار: بناء مؤسّسات تربويّة جديدة، واستئجار غرف دراسيّة إضافيّة، وتشغيل منظومة سفريّات للطلّاب. إلّا أنّ غالبيّة هذه الالتزامات لم تُنفّذ في العقد المنصرم. ويعاني الطلاب نقصًا في المدارس وغرفًا دراسيّة مكتظّة وغير سويّة، وسفريات تستغرقهم الوقت الطويل.
توجد في الأحياء الواقعة خلف الجدار شماليّ القدس أربع مدارس ابتدائيّة رسميّة فقط (منها اثنتان تشملان عدد قليل من الغرف الدراسيّة للمرحلة الإعداديّة)، والتي تشمل مجتمعة 88 غرفة دراسيّة. إضافة إليها ثمة 5 غرف روضات رسميّة. ولا توجد في هذه الأحياء ولو مدرسة ثانويّة رسمية واحدة. ولذلك، يدرس في الجهاز التربويّ الرسميّ الواقع خلف الجدار ما مجموعه 2,453 طالبًا فقط. فيما تقوم المدارس غير البلديّة الرسمية بسدّ النواقص الموجودة، وهي مدارس تُقام بمبادرة السكّان والجمعيّات الخاصّة، وتُجبى فيها أقساط دراسيّة يمكن أن تبلغ آلاف الشواقل سنويًا. وتوجد في هذه الأحياء 462 غرفة دراسيّة في المدارس التي تتمتع بمكانة معترف بها غير رسميّة، إلى جانب 125 غرفة دراسيّة في مدارس خاصّة. ينتج أنّ 13% فقط من الغرف الدراسيّة في هذه الأحياء تتبع للتعليم الرسميّ.
تكمن مشكلة أخرى في أنّ غالبيّة الغرف التدريسيّة الرسميّة الواقعة خلف الجدار هي غرف لا توافي المعايير وغير سليمة، تقع في مبانٍ مستأجرة خصّصت بالسابق للسكن (كفر عقب) أو لاستخدام الحيوانات (مدرسة شعفاط للبنين ج). لذلك، وباستثناء الغرف التدريسيّة الناقصة، ثمة حاجة مُلحّة جدًّا لبناء غرف تدريسيّة سويّة وسليمة تستبدل هذه الغرف.
أثر الجدار على الحق في الصحة- توجيهات غير رسمية بمنع سيارات الاسعاف دخول الأحياء
تطرّقت المادة د من قرار الحكومة إلى الواجبات الملقيّة على كاهل وزارة الصحّة. ورُغم أنّ حياة الناس متعلّقة بتطبيق هذه الواجبات، إلّا أنّ غالبيّتها لم تُطبّق حتى اليوم. وتؤدّي منالية خدمات الصحّة السيئة جدَّا إلى تشكيل الخطر على حياة السكّان وهي تنتهك حقّهم بالصحّة وسلامة الجسد، كما جرى تعريفهما في قانون أساس: كرامة الإنسان وحريّته، وقانون التأمين الصحيّ الرسميّ- 1994، وقانون حقوق المرضى- 1996.
كما نصّ القرار الحكوميّ أنّ على وزارة الصحّة تشجيع المستشفيات وعيادات الطب العام على فتح بعثات ما وراء الجدار، إلّا أنّ مثل هذه البعثات لم تُفتح أبدًا. ففي الأحياء التي تقع خلف الجدار لا يوجد مستشفًى أو مركز لخدمات الطوارئ الطبيّة، باستثناء مستشفى للإنجاب يقع في منطقة كفر عقب. وجاء في القرار أيضاً أنّ على الوزارة أن تضع نُظم تنقّل تسمح بتقديم خدمات سريعة وإنسانيّة للمحتاجين، إلى جانب نُظم عبور للأطباء والمعدّات من داخل الأحياء خلف الجدار إلى داخل القدس. يوجد على المستوى النظريّ نظام خاص لدى شرطة إسرائيل يقول إنّ دخول سيارات نجمة داوود الحمراء إلى الأحياء في منطقة مخيم شعفاط للّاجئين، مشروط بمرافقة عسكريّة في كل ساعات اليوم. لكنّ سيارات نجمة داوود الحمراء لا تعبر الحواجز على أرض الواقع ولا تدخل أيّ حيّ من هذه الأحياء من أجل إجراء عمليّات إخلاء طارئة، بل تنتظر عند الجهة الثانية للحاجز. وفي اللقاء الذي جرى يوم 14/6/2015 مع قائد لواء القدس في الشرطة قيل لمندوبي جمعية حقوق المواطن إنّ هناك توجيهات بعدم منح مرافقة لسيارات نجمة داوود الحمراء إلى داخل الأحياء، خشية أن يؤدّي مجرد وجود سيارة الشرطة إلى مواجهات.
أثر الجدار على البُنى التحتيّة الأساسيّة - احتمال حقيقي لوقوع كارثة انسانية:
لقد كانت البنى التحتيّة في الأحياء خلف الجدار، مثل منظومات المياه والشوارع، في وضع سيئ قبل تشييد الجدار، ومن وقتها بدأت هذه البُنى بالانهيار، فيما يزداد عدد السكّان الذي ينتفع بها يومًا بعد يوم. ويؤدّي غياب بنًى تحتيّة وخدمات حيويّة في هذه الأحياء إلى إلحاق ضرر بيئيّ- صحّيّ جسيم ومتواصل، وإلى خلق حيّز عام يليق بدول العالم الثالث.
وأشارت الرسالة إلى أنّ “حقوق المواطن” قدّمت في آذار 2014 التماسًا للمحكمة العليا باسم السكّان، طالبت في إطاره بوصل الأحياء في منطقة مخيّم شعفاط للّاجئين بشبكة المياه. وقد حضّرت شركة المياه والمجاري في القدس، هجيحون، مخطّطات لترقية وتحسين منظومات المياه والمجاري والتصريف في المنطقة، ولكنّ هذه المخطّطات لم تخرج إلى حيّز التنفيذ لعدم توفّر التمويل. تجدر الإشارة الى انه ضمن المداولات في الالتماس اعترفت “هجيجون” بان البنية التحتية وأنابيب المياه تلائم تزويد المياه لـ15 ألف مواطن، بينما ترجح التقديرات الاخيرة أنه يسكن في الاحياء راس خميس وراس شحادة وضاحية السلام بين 60 ألف و80 ألف مواطن. كما حذرت الشركة الشهر الفائت ضمن مداولات المحكمة انه في حال لم يطرح حل فوري لأزمة المياه، فهنالك احتمال وقوع كارثة انسانية حقيقية إما نتيجة التفاوت بين عدد السكان ووضع البنية التحتية، وإما نتيجة عدم توفر المياه لإطفاء الحرائق في حال نشوبها.
وفي ردٍ على توجهات الجمعية وتوجهات السكّان المتكررة لبلدية القدس وجهات أخرى، قيل أكثر من مرة لمندوبي الجمعية انّ الأحداث الأمنية تقف وراء منع السلطات الإسرائيلية من تقديم الخدمات اللائقة للأحياء. إلّا أن الجمعية أكدت في رسالتها بأنّ تحويل الأحياء الى منطقة محرمة أنشأت واقع أمني صعب ومركب. في ذات الوقت عارضت وبشدة الإدعاء ان السلطات الإسرائيلية- والتي أنتجت بأفعالها وإهمالها هذه الفوضى – معفية من واجبها توفير كامل لكافة الخدمات المستحقة للسكان. ولا يمكن للسلطات الاسرائيلية، من ضمنها بلدية القدس، تبرير العجز والإهمال المطلق بالادعاءات الأمنية.
أثر جدار الفصل العنصري على إدراك الخدمات الحكومية:
وعددت الرسالة ابرز ما جاء في قرار الحكومة الإسرائيلية وهو إقامة مناطق خدمات حكوميّة في منطقة حاجز قلنديا ومنطقة حاجز مخيّم شعفاط، يجري فيها توفير خدمات حكوميّة لسكّان الأحياء المقدسيه خلف الجدار: خدمات تأمين وطنيّ، ووزارة الترخيص ووزارة الداخليّة والبريد وخدمات التشغيل. وأولت قرارات المحكمة التي صدّقت مسار الجدار وزنًا كبيرًا لهذه المناطق المخطّطة. إلّا أنّ الواقع يشير إلى أنّ السلطات الإسرائيلية أخفقت في تطبيق هذه التعليمات.
في محيط حاجز مخيم شعفاط لم تقم أيّ منطقة خدمات، البتّة. أما في حاجز قلنديا اقيمت منطقة خدماتيّة، إلّا أنّ كيفية إدراك الخدمات يجعلها عديمة الجدوى. وتتجسّد النتيجة على أرض الواقع في أنّ غالبيّة السكّان يجتازون الحاجزيْن المكتظيْن ويسافرون إلى مركز المدينة من أجل الحصول على الخدمات التي وُعدوا بها. فمثلاً المكتب الفرعي لخدمات التأمين الوطني لا يفتح إلّا يوم واحد في الأسبوع لأربع ساعات فقط. وقد جدّد المكتب نشاطه بداية حزيران بعد أن كان مغلق تماماً لمدة عام، منذ أحداث الشهيد أبو خضير. أما خدمات التشغيل فهي تفتح مرة واحدة في الشهر لأربع ساعات، وهي توفر خدمات “توقيع” فقط لطالبي العمل. في حين لا يوجد استقبال للجمهور ولا يمكن الحصول على خدمات أخرى توفرها خدمات التشغيل.
أما وكالة البريد، فهي لا تفتح أبوابها إلّا يومي الاثنين والخميس. ورُغم أنّ البريد لا يُوزّع في الأحياء الواقعة خلف الجدار، إلّا أنّ وكالة البريد في قلنديا لا تحوي حتى على صناديق بريد لخدمة السكّان. وخدمات الترخيص لا تتوفر بالمرة، رغم الوعد بتوفيرها.
إلّا ان الأمر لا ينحصر فقط في أنّ الخدمات الممنوحة في قلنديا مقلّصة جدًا، بل أنّ مناليّة منطقة الخدمات أمام سكّان الأحياء تُفرغ الغاية من وراء المنطقة من مضمونها: تقريب الخدمات الحكوميّة من سكّان الأحياء. إذ يُلزم دخول المنطقة السكّانَ بالانتظار في طوابير طويلة للمشاة في حاجز قلنديا. وهكذا يضطرّ السكّان القادمون لتلقّي الخدمات في المنطقة للخضوع للفحص الكامل أسوةً بكلّ من يسعى للعبور باتجاه القدس، وذلك رُغم أنّه ليس بالإمكان أبدًا العبور من المنطقة الخدماتيّة نحو القدس. وعليه ، فإنّ الشخص الذي يرغب بتلقّي الخدمات الممنوحة في المنطقة ومن ثمّ مواصلة طريقه إلى القدس، يضطرّ للخروج من المنطقة الخدماتيّة والخضوع ثانية لإجراءات الفحص المنهكة. ورُغم أنّ هذا الوضع الغريب معروف جيدًا للمسؤولين عن الحاجز، إلاّ أنّ أحدًا لم يبذل أيّ جهد لتغييره بغية التسهيل على السكّان.