Quantcast
Channel: مدونه الصحفي نجيب فراج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 11356

ما هو سر كل هذا النفوذ لاحمد محيسن ؟

$
0
0

383108_161772973921307_644250958_nنجيب فراج –  نشأت  علاقة قوية وربما يسميها اصدقائهما بالعضوية بين الفلسطيني احمد محيسن من سكان مخيم الدهيشة للاجئين والذي تعود جذوره الى قرية زكريا المدمرة عام 1948 وبين الفرنسي اليهودي من اصل مغربي فيرنو تويل، ليرتبط اسمي الرجلين مع بعضهما البعض وليشكلا حالة  لا انفصام فيها لدرجة ان الفرنسي وهو على فراش الموت من جراء مرض السرطان الذي انهك جسده قد اوصى صديقه محيسن ان يدفن في مخيم الدهيشة  وذلك  بعد احراق جسده تحت في شجرة زيتون ، وكان له ذلك ما أراد .
وحسب نضال العزة مدير مركز بديل الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنه واللاجئين ومقره بيت لحم حيث كان محيسن رئيسا لمجلس ادارة المركز على مر سنوات عديدة مضت،  فان العلاقه بين الرجلين ربما بدات في العام 1988 في سياق  العلاقات بين الحزب الشيوعي الفلسطيني حيث كان محيسن عضوا مؤسسا فيه والذي تحول الى حزب الشعب حاليا وبين  الحزب الشيوعي الفرنسي وكان تويل عضوا قياديا حتى وفاته، واسسا الاثنين لجنة التوأمة الفلسطينية الفرنسية وبدات بتوامة مخيم الدهيشة مع مقاطعة مونتتيه الفرنسية لتنشب علاقات عضوية قوية انحاز  خلالها ليس تويل وحده بل كل الحزب الشيوعي الفرنسي للقضية الفلسطينية بتفاصيلها، اذ يؤكد العزة ان الحزب الشيوعي  الفرنسي يتبنى الرؤيا الفلسطينية في موضوع حق العودة بتفاصيله والمقصود هنا  العودة لكافة اللاجئين الفلسطينيين في كل اصقاع المعمورة الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها في العام 1948، وبدأت بين الطرفين الزيارات المتبادلة الى ان انصهر تويل في الهم الفلسطيني واضحى يهتم بكل التفاصيل  ليس في مخيم الدهيشة وحسب بل في كل قضايا اللاجئين بدءا بالضفة الغربية ومرورا بقطاع غزة وانتهاء بمخيمات لبنان ، مستذكرا كيف ان تويل خطط لاحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة في لبنان وذلك في العام 2012 واستكملت كل الاستعدادات بالتعاون مع محيسن وكل علاقاته ولكن كل هذه الاستعدادات الغيت في اللحظة الاخيرة نظرا لظروف طرأت في لبنان.
كما يستذكر العزة  شكل التفاهم بين الرجلين  في تبادل اللغة  المختلفة ما بينهما حيث ان فيرنو لا يتقن غير اللغة الفرنسية وعدد قليل من كلمات اللغة العربية والعكس هو الصحيح اذ ان احمد لا يتقن اللغة الفرنسية الا بضع كلمات منها ومع ذلك كانا يفهمان على بعضهما البعض اما بالاشارات والايحاءات واحيانا كثيرة بفهم بعضهما البعض من خلال النظرات وتحسس ما يريده كل منهما، وعلى مدى اكثر من عشرين عاما في العلاقة التي لم تنقطع بل تزاداد حميمية مع مرور الزمن فانجزا اشياء كثيرة من بينها دعم المخيم في تجديد شبكة الكهرباء المتآكلة، ومع مرور الزمن يمنح فيرنو الجنسية الفلسطينية.
وتمضي السنين لتترك اثارها في جسد الرجلين وكانت اللحظة الفارقة حينما تراى الى علم احمد ان فيرنو قد اصيب بمرض السرطان فطار الى باريس للقاء توأمه الثاني  وكان ذلك في منتصف العام 2013 واتضح ان السرطان قد اخذ مكانه في جسد فيرنو  فكانت صدمة كبيرة لاحمد لم يصحو منها على مدى اشهر طويلة وبان ذلك على محياه امام اصدقائه الكثر في بيت لحم، الى ان تلقى احمد ذلك الهانف من صديقه ليبلغه وصيته  بان يدفن  تحت شجرة زيتون في مخيم الدهيشة، وبقدر ما شكلت المكالمة صدمة له كونها حملت خبرا باقتراب اجل صديقه الا انه تفاعل  بشكل كبير مع الوصية واعتبرها ثقلا كبيرا في حمل الامانة وبدأ التحضير لذلك الى ان اعلن وفاة فيرنو في شهر كانون اول من عام 2013 حيث اوصى فيرنو ايضا بالعمل على احراق الجثمان ومن ثم نقل الرفات الى بيت لحم، وكان ذلك في الثلاثين من ايار الماضي حيث اقيم حفل تابين كبير  في مركز الفينيق بمخيم الدهيشة بحضور ارملة فيرنو ونجليه وحشد كبير من قادة الحزب الشيوعي الفرنسي  وعلى راسهم الامين العام، اضافة الى حشد من شخصيات مقاطعة مونتتيه الفرنسية وعلى راسهم رئيس البلدية، وايضا حشد كبير من الفلسطينيين من ممثلي المؤسسات والقوى والفعاليات المختلفة ، حيث القيت الكلمات بهذه المناسبة قبل ان يتم مواراة فيرنو  التراب بالفعل تحت شجرة زيتون في حديقة مركز الفينيق  وسط مشاعر لا يمكن وصفها في مراسيم امتازت بالحزن والوجع والفخر في آن وحينما نودي على احمد  كي يلقي كلمة في صديقه لم يقوى على السير نظرا لمهابة الموقف فحاول الاعتذار ليحول كلمة المخيم للنائب محمد اللحام الذي اصر على الاقل ان يكون احمد بجانبه.
بعد اقل من اربعة اشهر من حدث دفن فيرنو  في مخيم الدهيشة في سابقة هي الاولى لحقه  احمد محيسن  حيث فارق الحياة وذلك في السابع من الشهر الجاري وسط صدمة كبيرة لمن عرفوا احمد او لمن لم يعرفوه عن كثب ولكنهم سمعوا عنه فكان فقيرا ولا يخجل من الفقر ليس ذلك وحسب كان  يقف الى جانب الفقراء من ابناء حارته ومخيمه  وهم كثر وقبل ذلك  وبعده كان يقف مع رفاقه بالحزب يتابعهم ويستمع منهم ويشعر بالامهم، بحسب ما قاله صديقه باسم صبيح الذي لم يصدق على ان احمد اصر ان يلتحق برفيقه فيرنو رغم مرور ثمانية ايام على الوفاة، وقال “لقد تمتع احمد بكل هذا النفوذ  الشعبي بين صفوف الجماهير رغم انه ليس له مسؤولا او رجل اعمال متنفذ ، فزحفت الاف الجماهير الى جنازته وبيت العزاء الذي اقيم له لانها تحبه وفقط وبدون أي نفاق”.
من بين الذين ذرفوا الدمع على احمد جارته ام ماهر التي كان  دائما  يعتبرها بانها معلم تاريخي في الحارة التي يقطنها حيث كان لها صولات وجولات في ملاحقة جنود الاحتلال حينما كانوا يعتقلون الشبان ولا تعود الى البيت الا وقد خلصتهم من الجنود، وتقول ام ماهر بانها لا تدري كيف يمكن ان تستوعب المكان بعد احمد “فنحن اصبحنا ايتام، لايمكن ان يمر في الشارع بدون ان يلقي التحية ويجاملنا، عدا عن  ذلك فحينما كان يعمل في الارتباط المدني كان  يصر على احضار  التصريح لها ولزوجها كي يذهبا الى المسجد الاقصى للصلاه فهو لا يريد ان يتعبها”، هذه القصة تبرهن على مدى التصاقه  بالجماهير الكادحة المغلوبة على امرها، حسب وصف العديد من اصدقائه.

وانشأ عيسى قراقع في رثاء احمد محيسن يقول” أخذك منا “فيرنو تويل” المناضل الفرنسي الاممي، حملت تراب جسده إلى قاعة الفينيق، غرست الورد وقرأت الفاتحة، انه صديق عمرك وتوأمك الروحي، يناديك، تتسع التوأمة بين المخيمات وبين العالم، ترفع مفتاح العودة وصور ابيك وأمك المريضة، يرانا الناس بشرا عاديين، نعشق الحياة والسلام، ونكره الذل والاحتلال.

زلزلت الأرض زلزالها، وسقط احمد محيسن بعد أن ضجت شرايينه، الحرب على غزة ذبحته، المصالحة المتعثرة، الفقراء واليتامى والمشردون والمقتولون في البيت وفي المدرسة، وفي المسجد والمشفى وفي المقبرة، لكنه أعطى لنهارنا القادم ضوءا وإشارة”.
ذهب احمد بعيدا بعد عمر قصير لم يتجاوز السبع والخمسون عاما تاركا نجليه التوامين  عبد الفتاح   وايزيس  اللذان لم يكملا الاربع سنوات بعد حيث  انتظرهما بعد زمن طويل فجاءا الى الحياة التي تغيرت بالنسبة كثيرا بودهما فاعرب عن فرحه الغزير بودهما فطار بهما الى كل مكان تمكن من الوصول اليه فحملهما بين ذراعيه ليلتقط صوره لهما امام قبة الصخرة، وينشرها عبر الفيس بوك متفاخرا ومتباهيا بهما وبالقدس ايضا التي ظل محروما منها كسائر ابناء شعبها الا بالمناسبات القليلة حين يسمح السجان لهم بالدخول متى يشاء.
 

 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 11356

Trending Articles